تَحْتَ القَمَرْ فَوْقَ تِلّكَ التْلّةُ فِي عَالـَمٌ مَجْهُولْ ، لايَفْهَمُهُ إلا هُمْ
عِنْدَ شّجَرْة حُبِهُمْ العَتِيْقَ الأصِيلْ ، فِي ليْلةٌ هَاجِعَه بَيْنَ هُدْوءَ الجِبْالْ وهَدِيرَ النْهَرْ
كَانَ هُنْاكَ مَوْعِدُ لِقْاءً يَجْمَعْهُمْ ،هُوَ أنْتَظّرْهَا أنْ تَأتِي فِي هَذِهِ السْاعَة الدْافِئةُ السْاكِنْه ، التِي يَتَسْامَرْونَ فِيْهَا كُلَ يَوْمْ
حَتْى تَلّتِقِي العُيْونَ السْاهِرْه ، وتَتْهَامَسُ القُلُّوْبَ بِالّحُبْ الخَالِدْ ، وطَلاسِمَ الشّوْقَ الجَانِحُ
تَحْضُرْهُمْ ، فَتُعَبْرُ عَنْ مَكْنُوْنََهَا ..
أنْتَظّرَ تِلّكَ الأُنْثَى كَمِثْلِهَا لَمْ يُخْلَقْ ، التِي حَطّمَتْ مَقْايْيِسُ الحُسْنِ والبْهَاء ، وكَسْرَّتْ مَوْازِينَ الجْمَالَ المُتَعَارْفْ ،
البَحْرُ فِي عَيْنِهَا واسِعٌ لايَنْجُو مَنْ بِهَا قَدْ يَغْرْقْ ، والآُخْرْى بِهَا سِهْامٌ لاتُفَارِقُ أحْدْاً إلا وكَانَ مِنْهَا يَصّعَقْ ..
أنْتَظّرَ عَذْرّاءً صَفَاءَ العَسَلِ بِشّفْاهِهَا ، ومِنْ جَسْدِهَا يَفُوْحَ العِطّرِ . رّبْاهُ بَلْ يَسِيْرُ بِعُرُوْقِهَا ،
عِنْدْهَا يَتَلَّعْثْمُ اللِّسْانْ . وتَنْدْهِشُ العَيْنْانْ ، ويَتَوْقْفُ دْمُ الشّرْيْانْ . ويَضِيْعُ البَيْانْ ،
سِحْرُ رِمْشِّهْا يَصّقِلَ المَجْنُوْنُ فَيَعُودُ عَقْلّه ويَمَسُ العَاقِلَ فَيْصّبِحُ مَجْنُوْنْ ،عَذْرّاءً أثَارْتْ غِيْرْةُ الكَوْنْ
تَفُوْقُ كُلَ الوْصّفِ ويَضِيْعُ الوَصّفُ أنْ يَصِفُ وصّفْهَا ، أُعْجُوبَةٌ مِنْهَا عَجَبَ العُجْابُ تَعَجْبَ بِأعْجَابْ ..
أنْتَظّرَ التِي أخْتَارُهَا مِنْ بَيْنَ نِسْاءَ الأرْضِ بَيْنْمَا تَسَابْقْنَ عَلَيْهُ الأمِيِرّاتْ
فَلَّمْ يَرْضّى إلا بِهْا سَيْدْةٌ لِمَمْلّكْتِه وقَلّبِه ،
أرَادَ أنْ يَقِيْمْ مَدِينْةَ حُباً ، وحَفْلاتٌ لجْنُونَ الهَمْسْاتِ بِحُضّورِهَا
أرَادَ أنْ يُهْدِيْهَا قَبْلَ نَوْمْهَا ورْدْةُ غَرَامْ ، أرَادَ أنْ يَمْلّئُ عَيْنَيْهُ بِوْجْهْهَا المَلائِكِيّ ،
مَرْتَ اللّحَظَاتُ والسَاعْةُ تِلّوَ السْاعْاتْ ، وأنْفَاسْهُ بَدْأتْ بِأظّطِرَابْ ونَبْضَاتْهُ تَسْارْعَتْ
وظَهَرْتْ مَعَالِمَ الغَرْابَةُ فَالّحِزْنُ عَلى وجْهْه ،
فَاتْتْ اللّيْلَةَ ولَمْ تَأتِِ تَرْقْبَ الآُخْرْى والآُخْرْى والآُخْرْى ، وهُوَ يَحْتَرِقُ أنْتِظَاراً يَلِيْهُ أنْتِظَارْ
فَجَلَسَ طَوِيْلاً وأبْحَرْ فِي مُحِيْطَاتُ الضَيْاعِ والوْحِدْه
مُتْأمِلاً الحَالَ والقَلّبَ الذِي تَزْاحَمَتْ آهَاتُه ..
ذْهَبَ إلى الحَانْةِ لِيْعَزِفَ بِقِيْثَارْتَهِ الشّجْنُ والآسْى حَتْى يُطّرِبْ مَنْ هُمْ حَوْلَه .
صَفْقُوا لَهُ عَلى آهْاتِةِ الدْامِيةُ التِي فِيهْا غَصّةٌ وعَبْرْةً مَع كُلَ دَقْةُ وتَرْ .
وبَيْنْمَا كَانَ التَصّفِيقَ رأى بَيْنْهُمْ مَحْبُوبَتِه ، تُصّفِقُ له ..
وقْفَ العَزّفُ وأسْتَهْلَ وجَهْه ، فَصَاحَ مُهَلِلاً بِهْا ومُرَحِبْاً كْالمَجْنُونْ
فَأسْتَغّرْبَ الجَمِيعَ مِنْهُ أشّدُ إسْتِغْرْابْ ، نَظَرَ إليْهُمْ فَلَمْ يُبَالِي بِهُمْ
فَعَادْ النْظَرَ إليْهَا وإذا هِيّ ، خَيَالٌ . خَيَـالٌ . خَيَــالْ
تَنْهَدَ حَسْرْةً ولَوْعْةً ولَعْنْةً فَتَجَمْعَتْ جُيْوشَ الّهَمِ عَليْه
وفَاضّتْ عَيْنْاهُ الدْمُوعَ وبِالبُكْاءِ أصّبَحَ جَدِيرْ ..
أتَى إليْهِ أحَدَهُمْ فَسَئلَهُ عَنْ أمْرِه
فَقَالَ لهُ :
يَاسْائِلِي بِاللهِ عَليْكَ مِنْي لاتَعْجَبْا
فَمَنْ جَرْبَ الهَوَى وذَاقَ نَكْهَاتُـه
عَلِمَ مَابَالَ القُلُّوْبَ بِالرْحِيْلِ تَتَعَذْبْا
فَوْيْحَ القُلُّوْبِ إنْ لَمْ تَرْحَمُ وجْعَاتُهفَطَافَ البُلّدْانَ بَحْثْاً وفِي كُلِ الأقْطَارِ فَلَمْ يَجِدْهْا
سِوْا أسْئِلَّةً تَسْتَدْرِجُ مُخَيْلَتِه كُلَ حِيْنٌ عَنْ سَبَبُ الرْحِيْلِ لَمْ تَحْصُلْ عَلى مُبَرْرْ ،
ومِنْ يَوْمَ رَحِيْلِهِا لَمْ يَبْقْى لهُ مِنْ ذِكْرّاهْا غَيْرَ هَذِهِ القِيْثْارّةُ التِي تُشَارِكْهُ حُزْنْه ..
وكَتَبْ :
يَاطِيُورَ
الحُبِ أخْبِرِي عَنْي حِلّوْتِي
أنْ كُؤوسَ العَذْابِ جَبْرْاً شَرِبْتُهَا
يَاقَمَرُ بِرَبِكَ أشّرْحْ لهَـا حَالَتِـي
أنْ اللّيْالِي مَع طّيْفُهَـا سَهِرْتُهَـا
يَابَحِرُ أرِيْهَا مِنَ الـدْمُ دَمْعَتِـي
وأنْي تَرَقْبْتُ مَجِيْئُهَا فَلا وجَدْتُهَا
يَاجِبَالَ الأرْضِ أسْمِعِيْهَا صَرْخَتِي
وقُوْلِي قَلّبِي أخَذَتْهُ فَمَا مَنَعْتُهَـا
يَاسْمَاءُ لهَا أوْصِلِـي هَمْسْتِـي
أنْي فِي كُلِ لحْظَاتِـي ذَكَرْتُهَـا
يَاشّمْسُ أُظّهُرِي عَلى مَحْبُوْبَتِـي
وأعْتَرِفِي أنْي لّـمْ أرَّاكِ بَعْدْهَـا
رَبْاهُ هِيّ مُهْجْة الفُؤادِ وضِحْكَتِي
رَبْاهُ لأجْلِي أحْفَظّهَا وأعْتَّنْ بِهَـا
هِيّ الدُنْيْا دَارْتْ وأعْلّنَتْ عِلّتِـي
ورُغْمَ هَذْا سْأنْتِظِرُ مَنْ أحْبَبْتُهَـا